عندما نجعل المبادئ الصحيحة محور لحياتنا، فإننا نضع أساساً قوياً لتنمية العوامل الداعمة للحياة، فعندما نستمد أمننا من إدراك ومعرفة أن المبادئ الصحيحة لا تتغير، على عكس المبادئ الأخرى التي تقوم على أساس الآخرين أو التي تخضع للتغير الدائم والفوري ، ومن ثم يمكننا الاعتماد على هذه المبادئ الصحيحة.
المبادئ لا تتفاعل مع أي شيء، كما أنها لا تغضب منا أو تتعامل معنا بأسلوب مختلف، فهي لن تُطلِقُنا أو تهرب مع شخص آخر تُحبه، كما أنها لن تنال منا، ولن تعد لنا طرقاً أو حلولاً سريعة، ولا تعتمد المبادئ على سلوكيات الآخرين أو البيئة أو الأشياء الزائلة.
فالمبادئ لا تموت ولا تتواجد اليوم وتختفي غداً ، ولا تُدمرها الكوارث الطبيعية ولا تسرق، هي حقائق أساسية وقواسم مشتركة وخيوط منسوجة بقوة وإحكام داخل نسيج الحياة.
حتى بين الناس وفي خِضم الظروف التي تتجاهل المبادئ، يُمكننا استمداد الشعور بالأمان من معرفتنا أن المبادئ أكبر من الناس و الظروف، والأكثر أهمية هو أنه بإمكاننا أن نستمد شعورنا بالأمان من معرفتنا أنه بمقدورنا تطبيقها في حياتنا وفقاً لتجربتنا الشخصية.
معرفتنا بالمبادئ الصحيحة وفهمنا إياها محدود بقلة معرفتنا بطبيعتنا وطبيعة العالم المحيط بنا، وسيل النظريات الشائعة التي لا تتوافق مع المبادئ الصحيحة ، وستلقي هذه الأفكار رواجاً لوقت معين وبعد ذلك شأنها شأن غيرها فسوف تنهار لأنها مبينة على أساس زائف.
نعم، إننا محاصرون ولكن يمكننا دفع تلك الحدود التي تُحاصرنا، فيمكننا من خلال تفهم المبادئ نموناً عن المبادئ الصحيحة، ونحن تملؤنا الثقة أننا كُلما تعلمنا استطعنا تغذية العدسة التي نرى العالم من خلالها بشكل أكبر، والمبادئ ثابتة لا تتغير، فِهمُنا هو الذي يتغير.
عناصر المبادئ الرئيسية /
تتكون المبادئ الرئيسية من تسع عناصر مهمة، عليك فهم كُل واحدة منها جيداً :
1. الزوج /
إحساسك بالأمان يقوم على طريقة معاملة زوجك لك، فأنت مُعرض للتأذي من التعليقات لزوجك ومشاعره وخيبة أمل كبيرة ناتجة عن الانسحاب أو الصراع عندما يكون زوجك مختلفاً معك أو لا يفي بتوقعاتك، فتنبثق توجهاتك من احتياجاتك ورغباتك من رغبات واحتياجات زوجك.
والحكمة في ذلك تكون بمفهومك للحياة يتضمن أموراً قد يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي على شريك حياتك أو على علاقتك، فإذا لم تفهم مبدئ الزوج الصحيح، سوف تهدم جُدران القوة التي تُساعدك على التصرف بسبب نُقاط ضعف شريك حياتك وضعفك.
2. الأسرة /
تجد أمنك في تقبل أسرتك لك وتحقيقك لتوقعاتهم، فينبثق إحساسك بالأمان من أسرتك، ويقوم إحساسك بقيمتك على أساس سمعة عائلتك. فإرشادك في الحياة يكون من السيناريو الذي وضعته الأسرة، فهوا المصدر الذي تستقي منه التوجيهات والسلوكيات الصائبة ومعيار اتخاذك للقرارات وهوا ما يصُب في صالح الأسرة أو ما يريده أفراد الأسرة لديك، فتخسر الحياة وفقاً لأسرتك ، مما يجعلك تعتنق مفهوماً مشوهاً وتُصبح مهوساً بالعائلة، فإذا لم تفهم مبدئ العائلة الصحيح فسوف تُقيد تصرفاتك بنموذج الأسرة وتقاليدها.
3. العمل /
أنت تنزع إلى تعريف نفسك من خلال عملك، فلا تشعر بالراحة إلا بالعمل ، فتتخذ قراراتك وفقاً لاحتياجات عملك وتوقعاته، وتميل إلى تقييد نفسك بقيود العمل، وترى أن عملك هو حياتك، فتكون تصرفاتك محدودة بنماذج العمل والفرص الوظيفية والقيود المؤسسية، وفي الوقت نفسه تفتقر إلى القدرة على العمل في مناحي الحياة الأخرى.
4. المال /
صافي ثروتك هو ما يُحدد قيمتك، فأنت عرضة للتأذي من كُل ما يُهدد أمنك الاقتصادي، فالربح هو المعيار الذي تتخذ قراراتك وفقاً له. فجني المال هو العدسة التي ترى الحياة وتفهمها من خلالها، ومن ثم تأتي قراراتك الغير متزنة، فأنت مُقيد بما يُمكنك إنجازه بمالك ومنظورك المحدود.
5. التملك /
يقوم إحساساك بالأمان على أساس سُمعتك أو وضعك الاجتماعي، أو الأشياء المادية التي تمتلكها، فتنزع إلى مقارنة ما تملك بما يملكه الآخرون، وتتخذ قراراتك وفقاً لما سيحمي ممتلكاتك أو يُنميها أو يُقدمها بطريقة أفضل، وترى العالم بمنظور المنافسة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية، وستعمل في حدود ما يُمكنك شراؤه أو على أساس الواجهة الاجتماعية التي تحظى بها.
6. السعادة /
لا تشعُر بالأمان ما لم تكُن في قمة سعادتك، وشعورك بالأمان لا يدوم لفترة طويلة وتفقد الشعور به، ويعتمد على الوسط المُحيط بك. فتتخذ قراراتك بناءً على ما يمنحُك السعادة، وترى العالم من منظور ما تناله منها، فتهمل قوتك تماماً.
7. الصديق /
أمنك انعكاس للمرآة الاجتماعية، فتعتمد بدرجة كبيرة على آراء الآخرين، ومعيار اتخاذك للقرارات هو " ماذا سيكون رأيهم؟ " ، فيسهل إحراجك، فترى العالم من خلال عدسة المجتمع، فتكون مقيد في منطقة الراحة الاجتماعية لأنها تُريحُكَ، وتصرُفاتك مُتقلبة مثل آرائك تماماً.
8. العدو /
يتعرض أمنك للخطر وفقاً لتحركات عدوك، وتتساءل دائماً حول ما سيفعله وتسعى دائماً للتبرير لذاتك ونيل استحسان أصحاب التفكير المشابه. فتتبنى موقف التخلي عن كُل أشكال الاعتماد وتسترشد بتصرفات عدوك، فتكون أفاق الحكمة ضيقة، فأنت تميل إلى استخدام الأسلوب الدفاعي والمبالغة في ردة الفعل وغالباً تُعاني من جنون الارتيابي، فينبع مقدار القوة البسيط الذي تتمتع به من الغضب والحسد والبُغض والعنف والطاقة السلبية التي تُضعف وتُدمر، تاركة مقداراً ضئيلاً من الطاقة في داخلك.
9. الذات /
يتحول أمنك ويتغير دائماً ، ومعاييرك الحاكمة هي " إذا كان ذلك سيُمتعني " ، " ماذا أريد " ، " ما الذي أحتاج إليه " ، " ما الذي سأجنيه من وراء هذا " . فترى العالم من خلال القرارات والأحداث والظروف التي تؤثر عليك، وقدرتك على العمل محدودة بمواردك دون الاستفادة من فوائد الاعتماد بالتبادل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد ضمّنت في الملحق أعلاه النقاط التسع التي توضح كيف يُمكن لكل محمور من المحاور التي ذكرتها، التأثير على الطريقة التي نرى بها كُل شيء، ولكن كي نفهم الاختلاف الذي يُحدثه محورك فهماً سريعاً، سوف أضرب لك مثلاً واحداً لمشكلة محددة في إطار فكري مُختلف :
لنفترض أنك دعوت زوجتك لتناول طعام الشاء في المساء خارج المنزل، وهي الان تشعر بسعادة كبيرة، و إذ فجأةً طلب منك رئيسك في العمل الحضور إلى مكتبه وقال إنه في حاجة إلى مساعدتك هذا المساء للخضير لاجتماع مُهم في التاسعة من صباح الغد.
إذا كُنت ترى الأمر من خلال نظارة المتحور حول الزوج أو المتحور حول الأسرة، فستكون أولى اهتماماتك هي زوجتك ـ وحينها قد تُخبر رئيسك بأنك لن تستطيع المكوث لأنك ستصطحب زوجتك إلى المطعم لتناول طعام العشاء، وربما تشعر بأنه يتعين عليك البقاء من أجل الحِفاظ على وظيفتك ولكنك تشعر بقلق وخوف من ردة فعلها وتحاول جاهداً التبرير لقرارك، وفي الوقت نفسه تحمي نفسك من خيبة أملها وغضبها .
أما إذا كُنت ترى الأمر من خلال نظارة المتحور حول المال ، فستُركز تفكيرك على الأجر الإضافي الذي ستُجنيه، أو تأثير العمل لوقت متأخر على الترقية المُنتظرة، وحينها قد تتصل بزوجتك وتُخبرها ببساطة بأنه يتعين عليك التأخر في العمل بغرض أنها ستتفهم أن الاحتياجات تأتي في المقام الأول .
وفي حال كُنت ترى الأمر من محور العمل ، قد تُفكر في الفرصة المتاحة أمامك ويمكنك أن تعرف المزيد عن وظيفتك وإحراز النُقاط لدى رئيسك داعماً مستقبلك المهني، ويحتمل أن تمدح نفسك لأنك تمضي ساعات أكبر في العمل، لذا ينبغي على زوجتك أن تفتخر بك.
وإذا كُنت ترى الأمر حول محور التملك ، فربما تُفكر في الأشياء التي قد تشتريها بالأجر الإضافي ، أو يحتمل أن تُفكر في كم سيكون بقاؤك في المكتب لوقت متأخر داعماً لسمعتك في مكان العمل ، وفي الغد ستجد الجميع يتحدثون عن مدى شهامتك ونُبلك، وكم أنت شخص مُضحٍ ومُخلص للعمل.
الخلاصة /
عندما يكون محورك هو المبادئ، فستحاول الوقوف بمنأى عن العواطف المحيطة بالموقف وبعيداً عن العوامل التي من شأنها التأثير عليك لتتمكن من يقيم الخيارات المطروحة أمامك.
عندما تنظر إلى الكل بتوازن آخذ في حسبانك كل الاعتبارات ـ احتياجات العمل واحتياجات الأسرة والاحتياجات الأخرى ذات الصلة والتداعيات الأخرى المحتملة للقرارات البديلة، ستتمكن من التوصل إلى أفضل الحلول.
هناك فروقاً عديدة مهمة تظهر عندما تتحرك من منطلق منظور فكري قائم على المبادئ ، ولهذا السبب من المهم جداً فهم محورك الشخصي، ومالم يحفزك هذا المحور لتكون شخصاً مبادراً فسيكون إجراء تغيير في منظورك الفكري لخلق هذا المحور أمراً أساسيا من أجل تحقيق فعاليتك.
أتشرف وأسعد باستقبال تعليقاك على المقال وقراءة رأيك فيه