في يوم من الأيام وأنا أُمارس مهامي الوظيفية كضابط سلامة وصحة مهنية في أحد المشاريع في مدينة مكة المكرمة، آتى في بالي هذا السؤال، ماذا لو كانت الحياة خالية من الفقراء؟ هل نستطيع العيش فيها؟ ماذا لو كان جميع سكان العالم متعلمون تعليم عالٍ ولديهم المناصب العليا و القيادية، ومرتاحون مادياً هل سنجد من يعّمر هذه الأرض؟
تعمقت كثيراً أطلت التفكير والتأمل ونظرت للقوة البشرية التي تعمل أمامي في المشروع وهي تبني و تأسس قواعد المبنى تحت أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة التي يغلي منها الدماغ.
أتاني الفضول وتحاورت مع عدد لا يقل عن خمسة عشر عاملاً ومن جنسيات مختلفة و أعمار متفاوتة، منهم من يحمل شهادات تعليم مختلفة الدرجات والمجالات، ومنهم لا يحملها ولكن لديه حرفة يدوية ( نجار - حداد - كهربائي - ألخ....)، ولكن العامل المشترك بينهم والذي جعلهم يعملون في هذا العمل والأجواء الشاقة شيءٌ واحد فقط وهوا الفقر والهروب منه .
زاد تعمقي وتأملي أكثر و أكثر في حكمة الله سبحانه وتعالى في تقسيم الارزاق بين خلقه، جعل منا فاحش الثراء والثري والغني ومتوسط الحال وميسور الحال ومستور الحال وفقير الحال، وجعل منا المتعلم وغير المتعلم وجعل منا متقلد المناصب العليا والمتوسطة والدنيا، وكل هذا لحكمته جلّ في علاه لاستمرارية عجلة الحياة وإعمار هذه الأرض، فلولا وجود هذه الاختلافات لتدمرت الأرض دماراً شاملاً.
لنتخيل معاً عزيزي القارئ ماذا لو كنا جميعاً فاحشين الثراء أو العكس تماماً فاحشين الفقر وقلة الحيلة ، هل سنجد أًناس يعمرون وبينون البنايات والبنية التحتية؟ الجواب بكل تأكيد لا.
حتى ولو اتجهنا بدفة سفينة هذا المقال باتجاه الجانب الديني والعمل للأخرة فالفقر والفقراء هم جزء لا يتجزأ من تقديم الإنسان لنفسه بالأعمال الصالحة، فالعطف والإحسان عليهم ولو حتى بشربة ماء باردة تُكّرم من المولى بكرمهِ وفضله بالحسنات الكثيرة ويُضاعفها لك بمشيئته وقدرته سبحانه.
فالنتيجة التي توّصلت لها بعد تأملي وتعمقي أثناء عملي هذا، بأن لا بد من وجود الفقر والفقراء والغني والثري والمتعلمون وغير المتعلمون لكي تُحقق سنة وغاية الله سبحانه وتعالى في الكون وإعمار هذه الأرض و إستدامتها إلى قيام الساعة.
.png)
أتشرف وأسعد باستقبال تعليقاك على المقال وقراءة رأيك فيه