احتضن ذاتك لترمم وتعيد بناء داخلك

 دعني أطرح عليك سؤالين أفتتح بها هذه المقالة، هل تعرف ذاتك الداخلية وما هي حالها؟ هل تعرف كم هي ممزقة ومتألمة وكم فيها من دمار نفسي ومعنوي؟ ، أرجوك قبلَ أن تُكمل قراءة هذه المقالة أجب على هذه الأسئلة بكُل صدق وشفافية.

 إذا أردت الحلول الصحيحة لابد أن تكون صادق مع نفسك وذاتك

الكثير من الأشخاص يعيشوا حياتهم الحالية والمستقبلية وهم متأزمين ومدمرين من الحالة النفسية، وغير راضين عن ذواتهم التائهة البتة. ومن الناس من هُم غير عالمينِ بهذه الأضرار ويعتقدون بأنهم على أفضل حال، وهم على صواب دائماً وغيرهم من الذين يرون هذا الدمار على خطأ.

 والأسباب تعود إما بالجهل لهذا الأذى أو علمهم به، والتغاضي وصرف النظر عن معالجة هذا الأذى وتقبله، ويقولون هذا حظي ونصيبي ولابد من أن أرضى بقضاء الله وقدره، وهذا ليس من اختياري أن أكون هكذا. 



ومن الأسباب المهمة أيضاً، هو إعجاب هذا الإنسان بهذا الدمار الحاصل لذاته، لأن هذا يُعطيه حق التماس الأعذار من الآخرين اتجاهه، فيفعل ما يحلوا له من دون الشعور بالخوف لردود فعل الآخرين، وإعطائه العطف والحنان والكلام المعسول، فيعيش دور الضحية ويُنتج حلقات درامية حياتية لقصته الشخصية. 

ورسالتي موجهة للنوعين التي ذكرتهم وهم ( الجاهل بالأذى ـ والمتقبل للأذى )، ومن تجربة شخصية أقول لك :

 لا يوجد أحد كائنً من كان يستطيع عِلاج أذى ذاتك إلا أنت فقط، ولا يوجد أحد كائنٍ من كان مُهتم لأمرك أو لحالتك النفسية، فلكل إنسان له أذاه الذاتي الخاص به، ومنشغل  بنفسه وعائلته، فلا يُريد أن يُضيف هموم وأذى غيره على همومه. 

حالتك النفسية وإصلاح أذى ذاتك مسؤوليتك الشخصية، فلا تعوِلَ وتنتظر من أحد أن يُقدم لك يد العون، وإن قُدمت لك هذه اليد، فتأكد أن عونها قصيرة الأمد ولا تصلُح إلا ما قدرهُ من واحد إلى اثنان في المائة فقط. 

أنا لا أُنكِرَ أن مُساعدة الآخرين لك ليست مُهمة بتاتاً، بل أنا من أكثر المُناصرينَ للوحدة الاجتماعية والأسرية ولابد أن نكون عوناً لبعضِنا البعض، ولكن الحقيقة المرة، هي ليست الأساس والقدر الأكبر من خُطة العلاج لجروحك الذاتية والنفسية على الإطلاق . 

ما هي الخطة العلاجية والإصلاحية ؟ 

يوجد الكثير من الخُطط العلاجية، ومن تجربتي الشخصية أقول لك هي تتكون من ثلاثة عناصر في غاية الأهمية وهي كالتالي: 

1. معرفة الله سبحانه وتعالى حق المعرفة والتوكل عليه / 

عليك أن تتدبر الرسائل والقوانين والسنن الكونية التي وضعها لنا جل في علاه في هذه الحياة، قال تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) وقال تعالى ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عيلك حسيبا )، فالآيات كثيرة تُذكر الإنسان بأنه هو المسؤول عن نفسه ولو كثرت الأعذار حولها ولها ، ومن الأخطاء الشائعة عِندَ أغلب الناس في مفهوم التوكل على الله سبحانه وتعالى، لا يفرقون بين مصطلح التوكل والتواكُل على الله سبحانه، وهناك فرق شاسع وجوهري وعميق جداً بينهم. 

التوكل / هو توكيل الله سبحانه وتعالى في أمور الحياة كُلها مع الأخذ بالأسباب والعمل الدؤوب عليها وعدم القنوت من رحمة الله سبحانه. 

التواكُل / هو توكيل الله سبحانه وتعالى في أمور الحياة كُلها، من دون الاخذ بالأسباب والعمل عليها، فقط يتم التمني والجلوس والانتظار لتحقيقها وإذا لم تُحقق يقنتُ الإنسان من رحمة ربه، وفي بعض الأحيان يُنكِرَ ويُلحِدَ هذا الإنسان والعياذ بالله . 

في قصة الصحابي الجليل عُمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، دخل مرةً إلى المسجد النبوي الشريف بعد صلاة العصر وهذه القصة في زمن خلافته للأمة الإسلامية، فوجد حلقة من المؤمنين يدعون المولى عز وجل في جلب الرِزق، فغضب رِضوان الله عليه وارتفع صوته ولوح بعصاته الدُرة التي يتكئ عليها وقال لهم مقولته التي تُخلد إلى قيام الساعة، ( قوموا وأسعوا في الأرض فإن السماء لا تُمطرَ ذهباً ولا فِضة )، فكان فِهم هؤلاء المؤمنين لمعنى التوكل على الله جل جلاله فِهماً خاطئاً، فكانوا متواكلين على الله وليسوا متوكلين عليه، فلذلك غضِبَ الفاروق رِضوان الله عليه، لأنه يعلم معنى التوكل والتواكُل. 

2. العزلة والاختلاء بالنفس المحمودة / 

من أحد أجمل احتضان الذات وفهمها ومعالجة أذاها، هي العزلة الذاتية والنفسية المحمودة للإنسان، وهذه العُزلة هي التي ساعدتني في استشفاء ذاتي وترميمها، ولسبب انبهاري بالنتيجة التي حصلتُ عليها ، كتبت وأصدرت كتابي في سجن عُزلتي. 

( لطلب الكتاب اضغط هنا )

فالعزلة الذاتية المحمودة تُتيح لك معرفة وفهم ومحاورة ذاتك، تكتشف من خلالها الجروح والأذى وترميمها، وتكتشف نُقاط قوتك وتنميها ونقاط ضعفك فتُقللها، وإليك قاعدة ذهبية جميلة " نُقاط الضعف لا تختفي بالكُلية وإنما تنقُص وتتحول لنقاط قوة إن عمِلتَ عليها وحلها"، فالانعزال و الاختلاء بالذات تُنتِج العُظماء لهذه الحياة. 

3. البحث والتعلم الذاتي وصفة مستمرة / 

لو يُدرك الإنسان أهمية التعليم الذاتي، أُجزم بأنه سيتخلى عن التعليم التقليدي والشهادات المعتمدة، فمن فوائد التعليم الذاتي أنه يُعطيك مساحة واسعة جداً في شتى أنواع ومجالات العلوم المُختلفة في الحياة، وفي الوقت الذي تُريده والمدة التي تحلو لك، فعندما تعتزل وتبحث في ذاتك وتكتشفها، تعلّم ذاتياً في ماهي الحلول اللازمة لشفاء جروح وأذى ذاتك المُنهكة، ستجد طرق كثيرة تستفيد منها وتقودك إلى الطريق الصحيح القويم وتُرمم ذاتك وتحتضنها.  

نصيحة أخيرة / 

ارفق بذاتك ولا تقسوا عليها، كُن لها ولا تكُن عليها، فإن قسوت عليها أذاقتك من الهموم والتكفير والحالة النفسية السيئة التي بدورها تُدمر حاضرك ومستقبلك، ولا تجعل منك شخصاً ناجحاً، بل على العكس تكُن منبوذاً من نفسك أولاً وثم من الدائرة المحيطة بك والمجتمع، فالإنسان مرآة نفسه فإن كانت نفسك وذاتك سيئة ومدمرة فسوف تكون سيء الطِباع والتطبُع ولا أحد يرغب في مجاورتك وعِشرتكَ. 


الكاتب هتان المدني
بواسطة : الكاتب هتان المدني
هتان المدني كاتب ومؤلف لدي كتاب بعنوان ( في سجن عزلتي )، بدأت الكتابة قبل حوالي سنة ونصف ولكن تجربتي الشخصية التي أنت عنها كتابي كلفتني عزلة مجتمعية أكثر من ثلاث سنوات
تعليقات