ما هي المنظورات الفكرية للإنسان ؟

 تُمثل كل السمات الأخلاقية والأخلاقيات نموذج للنظرة الفكرية الاجتماعية، وبالمفهوم العام لكلمة المنظور الفكري للإنسان، فإنها الطريقة التي نرى فيها العالم ليس من قوة الرؤية الحسية، بل على قوة التصور والفهم والتفسير. 

وأبسط طريقة لفهم المنظور الفكري، هي التعامل معها على إنها خريطة، وبالطبع جميعنا يعرف أن الخريطة لا تعني المكان أو المنطقة، بل تعني شرحاً لطبيعة هذا المكان، وهذا بالتحديد معنى المنظور الفكري ـ إنه تفسير ونموذج لشيءٍ ما . 

لنفترض بأنك تُريد الذهاب لعاصمة بلدك، بالطبع ستستعين بخريطة لكي تصل إلى وجهتك، ولكن لنفترض أن الخريطة التي تحملها هي خريطة لمدينة أخرى وكُتب عليها اسم العاصمة عن طريق الخطأ، هل يُمكنك الوصول إلى وجهتك؟ بكل تأكيد لن تصل أبداً. 

فالأمر ذاته ينطبق على فكرك، فإنك قد تعمل بجد من أجل تحسين جهودك ومضاعفة سرعتك، ولكن تذهب هذه الجهود سُدى وتؤدي بك سريعاً إلى الطريق الخطأ، وعلى الرغم من تطوير توجهاتك وتفكيرك بأسلوب أكثر فاعلية وإيجابية، فأنت لا تزال لن تصل إلى وجهتك والحقيقة هي ستظل تائهاً، والسبب أن مشكلتك الأساسية لا علاقة لها بسلوكك أو توجهاتك ، بل متعلقة بإتباعك خريطة غير صحيحة. 




أقسام الخرائط الأساسية للإنسان / 

توجد العديد من الخرائط بداخل كلٍ منا، وهي تتكون من فئتان : 

الأولى / خرائط الواقع التي تجري به الأحداث. 

الثانية / خرائط الشكل التي ينبغي أن تكون عليه الأمور والقيم. 

نحن نستخدم هذه الخرائط الذهنية لتفسير كُل ما يجري لنا، ونادراً ما تراودنا الشكوك فيها وبدقتها، وعادةً لا نُدرك وجودها بل نفترض ببساطة أن الطريقة التي نرى بها الأشياء في حقيقتها، أو هكذا تنبغي أن تكون، وهذه الافتراضات هي الأرض التي تنمو فيها توجهاتنا وسلوكياتنا وفهمنا لهذه الأشياء، هو المصدر الذي يُشكل أسلوب تفكيرنا وتصرفاتنا. 

قوة تغيرك منظورك الفكرية / 

من أهم الأمور التي يُمكن اكتسابها من مفهوم الاستدلال، هو الجزء المتعلق بتغير المنظور الفكري، أو ما يُطلق عليه تجربة الفهم ـ أي عندما يتمكن الشخص أخيراً من رؤية الصورة المركبة من وجهة النظر الأخرى، وكلما كان الشخص مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمفهومه المبدئي، كانت تجربة الفهم أقوى، وكأنها ضوء توهج في داخله فجأة. 

يكون هذا التغير في المنظورات الفكرية مقاومة شديدة، ويلحق به الكثير من الأذى، ومن وقتها يبدأ تفسير كُل شيء تفسيراً مختلفاً. لكن ليست جميع أنواع التغير الذهني ذات توجهات إيجابية، فإن التحول من السمات الأخلاقية إلى الأخلاقيات الشخصية حادِ بك عن الطريق القويم، ويقتلعك من جذورك التي تُغذيك بأسباب النجاح والسعادة الحقيقين، ولكن سواء أدى بنا تغير المنظور الفكري إلى توجهات إيجابية أو سلبية أو اتسم هذا التغير بأنه لحظي أو تطويري، فإنه يُساعدنا على الانتقال إلى رؤية العالم بشكلٍ مُختلف. 

وهذه التغيرات هي التي تصنع التحول القوي، وتُمثل منظورنا الفكري سواء كانت صحيحة أو خاطئة لمصادر توجهاتنا وسلوكياتنا، وكذلك تُشكل علاقتنا بالآخرين. فلا يُمكن القول إن جميع التغيرات في المنظور الفكري تحدُث تلقائياً، فلا يُمكن الفصل بين المنظورات الفكرية والشخصية، فما تكون عليه هو ما تراه في الأبعاد الإنسانية، وما تراه ذا صِلة وثيقة بما أنت عليه. 

ولا يُمكننا تغير نظرتنا للأشياء إلا بتغير ما نحنُ عليه في الحال، والعكس صحيح، فالمنظورات الفكرية قوية لأنها تصنع العدسة التي نستطيع رؤية العالم من خلالها، وقوة تغير المنظور الفكري قوة أساسية للتغير الجذري، سواء التغير تلقائياً أو بطيئاً أو متروياً.

 فتقوم السمات الأخلاقية الأصلية على فكرة رئيسية وهي المبادئ التي تحكُم الفاعلية الإنسانية ـ وهي القوانين الطبيعية للأبعاد الإنسانية الحقيقية التي لا يطولها التغير ولا تقبل المناقشة، شأنها شأن قانون الجاذبية في البُعد الفزيائي. 

إذن، المبادئ هي الضوء الذي نهتدي به، لأنها قوانين طبيعية التي لا يُمكن خرقُها، ومن المستحيل أن نخرِق القانون ونكسره، لكن كُل ما في وسعنا القيام به هو أن نكسر أنفُسنا ونحنُ نحاول ذلك . 

وبينما قد ينظُر الناس إلى حياتهم وتعاملاتهم من خلال المنظورات الفكرية أو الخرائط القائمة على خبراتهم أو تأثيراتهم الخارجية، فأن تلك الخرائط ليست هي اليابسة، بل الواقع المتأثر بآرائنا. 

أما الحقيقة الموضوعية، فهي تتألف من مبادئ " الضوء " التي تحكم نمو البشر وسعادتهم، قوانين الطبيعة المتداخلة في نسيج كُل مجتمع متحضر على مر التاريخ، وتتألق أيضاً من جذور كُل أسرة ومؤسسة بقيت على مر الزمان. فتصبح حقيقة هذه المبادئ أو القوانين الطبيعية واضحة، لكل من يُفكر تفكيراً عميقاً ، ويتفحص دورة حياة التاريخ الاجتماعي. 

تطفوا هذه المبادئ على السطح في كُل العصور والأزمنة، ومدى إدراك الناس في المجتمع لهذه المبادئ وتعايشهم المتسق معها، فيؤدي إما إلى بقائهم واستقرارهم أو تفرقهم وفنائهم. 

 

   

الكاتب هتان المدني
بواسطة : الكاتب هتان المدني
هتان المدني كاتب ومؤلف لدي كتاب بعنوان ( في سجن عزلتي )، بدأت الكتابة قبل حوالي سنة ونصف ولكن تجربتي الشخصية التي أنت عنها كتابي كلفتني عزلة مجتمعية أكثر من ثلاث سنوات
تعليقات