لا تقصص رؤياك على إخوتك

 عندما تتدبر وتتأمل آيات القرآن الكريم، تجد أنك تقرأ الرسائل الربانية والدروس التي يُريد الله سبحانه وتعالى أن يوّصلها إليك عن طريق قصص الأنبياء عليهم السلام.

 عندما كُنت أقرأ سورة يوسف الصديق، توقفت عند قوله تعالى على لسان نبيه يعقوب ناصحاً ابنه يوسُف عليهم السلام عندما قص رؤياه على أبيه ، ( قال يا بُنيّ لا تقصُص رُءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوٌ مُبين). 



وتفسير هذه الآية الكريمة ـ قال يعقوب لابنه يوسف، يا بُني لا تذكُر لإخوتك هذه الرؤيا فيحسدوك ويعادوك ويحتالوا في إهلاكك، إن الشيطان للإنسان عدوٌ ظاهر العداوة، فيحسد الأخ أخيه ويُعاديه، فيكون عندئذٍ فائز بهذا التفريق.

 ففي هذه الآية رسالة لبني البشر، بأن رؤياكم التي ترونها لحياتكُم ومستقبلِكُم لا تروّنها للناس، لأي سببٍ من الأسباب، فنحن بعلمنا المحدود لا نعلم من هُم في دائرتنا المحيطة بنا يكّنون لنا العداوة والبغضاء والحقد والحسد، فيسمعون لخطط حياتنا ومستقبلنا فيحبطون أحلامنا وأمانينا، إما باستهزاء منا أو من قُدراتنا على إتمام هذه الأحلام. 

وسبب التحطيم هذا، إنهم لا يُريدون أن يروك أفضل منهم سواء مادياً أو في مكانة عالية في المجتمع، فيوجهون رسائلهم المحبطة لك بصورة نصيحة مغلفة بالطيبة التي هي صادرة من أعماق قلبهم، ونيتهم هُم عكس ذلك تماماً.

 في بعض الأحيان نحتاج إلى نصيحة وتوجيه في أمور حياتنا، فما العمل في ذلك؟ 

لنفترض بأنك مُقبل على افتتاح مشروعك التجاري، وتُريد أن تأخذ بتوجيه ونصيحة لكيلا تخسر مالك الذي تعبت في جنيه، أو حتى اقترضت من البنك لكي تُنشئ هذا المشروع، هُنا عليك أن تستشير أهل الخبرة والاختصاص من خارج مُحيطك الذي تعيش فيه، حتى لو وجد في بيئتك شخص تاجر على سبيل المثال. 

فكثير من الناس يُخطئون في استشاراتهم ويسألون أقاربهم، وهؤلاء هم في الغالب ليس أهل اختصاص، وثانياً أنت ليس بضامن ماهي نياتهم اتجاهك. فالتجارة هُنا مثال فقط، لكن عليك أنت أن تتعامل بهذا الأسلوب في جميع أمور حياتك الشخصية، سواء تجارة، شراء منزل، أو حتى زواج. 

فمن الممكن إذا قصصت رؤياك لشخصٍ غير مُختص أو يكرهك، سيجعل من رؤياك جحيماً بدلاً من أنها جنتك وحلمك.  

 قصتي الشخصية في الكتمان / 

قبل خمس سنوات، كُنت من الأشخاص الذين لا يكتمون أحلامهم حرفياً، فجميع خُططي وأحلامي يعرفُها جميع الناس من حولي، مثلي مثل إذاعة الأخبار كُل فكرة تأتي في مخيلتي أُذيعها لمن حولي، فلم أستطع أن أُحقق أي من هذه الأحلام، بل كُنت أتلقى الكثير والكثير من الإحباط وعدم التشجيع. 

فاعتزلت البشر بالكلية في حِقبة معينة من عمري، وقرأت الكُتب والقرآن الكريم ومن الطبيعي قرأت سورة يوسف، وقرأت حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول بما معناه ( داروا أموركم بالكتمان )، فأدركت الرسائل الربانية في تحقيق الأحلام، وفعلاً أتبعت وتعلمت هذا الدرس العظيم وأصبحت أعمل وأجتهد لأحلامي وأغلقت الإذاعة الذاتية التي كُنت أنقل بها أخباري، والإذاعة هي ( لساني ) . 

أغلقت فمي وانطلقت في تحقيق نجاحاتي ، أصدرت كتابي الأول بعنوان ( في سجن عزلتي )، وأيضاً أطلقت مدونتي هذه، وكتابي الثاني مختص في الحياة الزوجية سيصدر قريباً إن شاء الله، ومن الممكن يكون قد أُصدر بالفعل حسب وقت وتاريخ قرأتك لهذا المقال. 

العبرة من قصتي الشخصية، لم أرى النجاح في حياتي الشخصية والمهنية حتى أغلقت فمي وإخبار الناس وبيئتي المحيطة بي عن أحلامي وخططي المستقبلية، ومع إتباعي لهذا الأسلوب ومع توفيق الله سبحانه وتعالى، مستمر في النجاحات واحدة تلو الأخرى. 

الخلاصة / 

لا تكُن مثل إذاعة الأخبار، وتجعل من قراراتك وأحلامك قناة يُشاهدها الجميع، اجعل حياتك صندوق كنز مدفون في جزيرة نائية لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى ثم أنت فقط، اعمل بصمت وتركيز تام وفاجئ الجميع بنجاحك، فلا مُشكلة في بعض الأحيان أن تفشل بواحدة أو أكثر من قراراتك وأحلامك، فالفشل والسقوط ليس عيباً، إنما العيب أن لا يكون لك شخصية و تكون قراراتك وتحقيق أحلامك صادرة من توجيهات وقرارات الآخرين. 

فإذا أردت النصيحة خُذ النصيحة من أهل الخبرة والاختصاص من خارج بيئتك ومعارفك، ستجد النصيحة أفضل وأعمق، والسبب لأنه لا تكُن له أي صلة قرابة أو حسد، فهذا مجاله وتخصصه ويأخذ مقابل مالي عليه، ثِق بالله أولاً ثم برؤياك وحلمك، فالله سبحانه وتعالى لم يغرس فيك هذه الرؤيا والحلم ، إلا يُريد أن يُحققها لك، ولكن عليك أن تعمل بها ولأجلها. 

الكاتب هتان المدني
بواسطة : الكاتب هتان المدني
هتان المدني كاتب ومؤلف لدي كتاب بعنوان ( في سجن عزلتي )، بدأت الكتابة قبل حوالي سنة ونصف ولكن تجربتي الشخصية التي أنت عنها كتابي كلفتني عزلة مجتمعية أكثر من ثلاث سنوات
تعليقات