لا تراعي شعور الأخرين على حساب نفسك

 في بادئ مقالتي أود أن أُعرف بشخصية يتّصف بها بعض الأشخاص وتسمى ( اللطيف السلبي )، وهوا الإنسان الذي يّنساق مع الآخر ولا يتصادم، ينقاد ولا يقود، يتقّبل ما يفعله ويقول له الآخر بلا أي محاولة لتغييره. 

يراعي الآخر على حساب نفسه ، يُعاني من عقدة المجتمع وصورته أمام المجتمع أهم من صورته أمام ذاته، حيث تجد أنه في طفولته حاول إرضاء الأبوين على حساب نفسه ليحصل على التقبّل منهما، واليوم أصبح المجتمع هوا الصورة المكبرة للأبوين. 

ويعاني أيضاً من عقدة الاستحقاق، فهوا لا يعرف قيمة نفسه ولا كيفية وصنع حدود واضحة مع الآخرين، يتنازل كثيراً ويرضى بالقليل ويحاول دائماً إثبات نفسه للآخر، ويعاني عقدة الخضوع فيجد نفسه يتوافق مع آراء الآخرين وما يعتقدون عن الحياة لآنه يخاف التصادم، أي حوار يقوم على المواجهة سيكون غير مريح له.

قد يملك معتقدات مختلفة لا يستطيع طرحها و أفكاراً لا تتوافق مع أعراف بيئته، لكنه يخاف من أن يُنتقد أو لا تُعجّب الآخرين، يخاف ابتعادهم إذا عبّر عن رؤيته الحقيقية. 

بماذا يعتقد اللطيف السلبي؟ 

يعتقد اللطيف السلبي أنه مضطر في كل الحوارات إلى تلطيف الجو بالسخرية و الابتسامة المصطنعة أو المجاملات الزائفة لكيلا يَمقت الآخر الموجود معه، لشعوره بعدم الاستحقاق ويشعر وكأنه عبء وحمل ثقيل على أي إنسان، فيجد نفسه في حالة خوف دائم لا يستسيغه الشخص الذي أمامه.

وبدلاً من التحدث بأسلوب ناضج راقٍ، يستخدم المجاملات الزائفة والسخرية إما من ذاته وإما من الآخر ليجعل الحوار لطيفاً، وهذا ما يجعل الجميع يشعر فعلاً بزيفه فلا يُحبون القرب منه إلا لإشباع حاجة معينة.

بماذا يشعر اللطيف السلبي في الحالة الحميمية مع الحبيب؟ 

يشعر بالخجل من استخدام أسلوب الغزل، فربما يستطيع أن يقول ( أحبك ) لكن لا يستطيع أن يقول ( أنا اشتقت إليك ). لا يفرق بين ما يعجبه وما لا يعجبه لكثرة التوافق مع الآخر فيصبح مهزوز القرار ولا يعرف كيف يتصل بشعوره الحقيقي لتراكم المواقف التي عامل فيها ما يريده على أنه بلا قيمة. 

يشعر بأن عليه تحقيق توقعات شريك حياته فيه، فهوا الزوج المثالي الذي لا يغضب أبداً حتى لو تمادت عليه زوجته بالكلام، أو قامت بفعل يغضبه، وهوا المنصت الذي لا يستطيع أن يوضح أنه اليوم مجهد ومتعب ولا يستطيع الإنصات لمشكلة.

 الإحساس الدائم بأن أي طلب منه أو تحقيق حاجة له ستكون عبئاً على الآخرين، وإن قام أي شخص بخدمته يمتن له إلى درجة يخضع لجميع رغباته المستقبلية. 

كيف تواجه اللطيف السلبي ؟

إن الاعتقاد بأن مراعاة شعور الناس على حساب نفسك سيجعلك تعيش سعيداً، أو محاولتك لإثبات نفسك لأي إنسان ستزيد من قيمتك. بكل تأكيد لن تحقق هذه الغايات وستحرق نفسك بدون أي فائدة.

 إلى متى يا ترى ستبحث عن قيمتك في أعينهم؟ ألا تعلم أنك بهذا ستكون دائماً سجيناً لما يريدون؟ 

عندها ستعرف يقيناً أنك خسرت نفسك وأضعت رحلتك الأساسية في هذه الحياة للوصول لذاتك وعرفة حياتك الحقيقية. ومن المقولات الشهيرة للفيلسوف سارتر يقول فيها ( إن سر خسارتنا لأنفسنا هوا اكتراثنا بصورتنا أمام الآخر أو بإرضائه ) . 

كيف تقول ( لا ) ؟

من يملك قيمة ذاتية عالية سيشعر أنه إذا أعطى خمسة دقائق من وقته لأي إنسان، فهذا شرف عظيم للآخر، لأنه يعرف جيداً قيمة وقته، وجزء أساسي في كل صاحب استحقاق أنه يُقدّس الثانية ويعلم أهمية وقته الخاص، فليس كل ماهوا ضروري في حياة غيره يكون ضرورياً في حياته. 

ولا يعرف معنى الحياة إلا من فقدها أو أوشك على فقدانها، وتعود إلى الماضي حتى تُفكر بكل الوقت الذي أضعته سدى، ومن هذا المنطلق ستعرف قيمة لقولك كلمة ( لا )، حين يُطلب منك شيء، يجب أن ترد بكل صرامة بدلاً من الموافقة التلقائية وإذا كان الطلب يحتاج إلى تفكير تستطيع أن تقول ( أحتاج وقت للتفكير ) قبل رفضك بكلمة ( لا ).

في هذه الفترة تسأل نفسك هل فعلاً توّد القيام بهذا الفعل لأجل نفسك أم فقط لأجل إرضاء الآخر؟ 

إذا كُنت تخشى الرفض لكيلا يستاء منك الآخر ويبتعد، أعلم يقيناً انه ليس شخصاً حقيقياً إذا لم يحترم حدودك ورغباتك الشخصية. لا تُبرر كثيراً لسبب رفضك ولا تختلق الأعذار كذباً، لا أحد يستحق التبرير، ولا تنسى أن التبرير لغة الضُعفاء، أما التوضيح يكون بكلمات معدودة، ( عذراً لا أستطيع القيام بهذا الأمر ) . 


 

الكاتب هتان المدني
بواسطة : الكاتب هتان المدني
هتان المدني كاتب ومؤلف لدي كتاب بعنوان ( في سجن عزلتي )، بدأت الكتابة قبل حوالي سنة ونصف ولكن تجربتي الشخصية التي أنت عنها كتابي كلفتني عزلة مجتمعية أكثر من ثلاث سنوات
تعليقات